تعتبر مشاهدة التلفزيون جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فمنذ انتشار
جهاز التلفزيون في خمسينات القرن الماضي تغلغل في كل منازلنا بالوضع الذي أصبح
جهازا أساسيا في كل منزل كطاولة الطعام والسرير، مهما اختلف المكون الاجتماعي أو
الثقافي لهذه الأسرة.
وزادت التحديات مع دخول عصر البث الفضائي الذي أعطانا فرصة الاختيار
بين مئات القنوات العربية وآلاف القنوات الأجنبية.
البحوث أظهرت أننا نشاهد التلفزيون أكثر
مما ينبغي، والذي انتقل منا إلى أبنائنا بشكل تلقائي كسلوك مكتسب، حيث أظهرت دراسة
أجريت في الولايات المتحدة الأميركية عام 2010 أن الأطفال في المرحلة العمرية من
سنتين إلى 11 سنة يشاهدون التلفزيون بمعدل 4 ساعات يوميا، في حين أظهرت دراسات
كندية أن معدل مشاهدة الأطفال للتلفزيون هو ساعتان يوميا، وهو ما يتفق مع دراسات
أسترالية. بينما أظهرت دراسات أجريت على أطفال بريطانيين أن معدل مشاهدة التلفزيون
هو ساعتان ونصف.
لإدراك الآثار السلبية لمشاهدة التلفزيون
لهذا العدد من الساعات الطويلة يوميا، هناك بعض الأمثلة، منها:
مجال الصحة العامة:
نجد
أن المسؤول الأول عن سمنة الأطفال هو مشاهدة التلفزيون وألعاب الكومبيوتر، حيث كان
الأطفال فيما سبق يستمتعون بالأنشطة والألعاب الحركية والتي لها الكثير من الأثر
الإيجابي لا على الصحة العامة فحسب بل يمتد للمهارات الاجتماعية. فالألعاب الحركية
تساعد على تنمية الكثير من المهارات الاجتماعية عند الأطفال بدلا من الجلوس أمام
شاشات العرض سواء لأجهزة التلفزيون أو الكومبيوتر.
مجال الصحة النفسية: أثبتت الدراسات أن كل ساعة عرض
تلفزيوني تقدم على الأقل 20 مشهدا يمكن تصنيفه بأنه عنيف أو يشجع على العنف وينطبق
ذلك حتى على مشاهدة أفلام الكرتون ناهيك عن أن الأطفال الذين هم دون الثامنة أو
الذين يعانون من محدودية القدرات العقلية (ذوي الاحتياجات الخاصة) لا يمكنهم
التمييز بين عالم الواقع وعالم الخيال المقدم في أفلام الكرتون فيعتقدون إمكانية
تقليد هؤلاء في أعمالهم الخارقة. وأظهرت دراسات أميركية أن الطفل الذي عمره 13
عاما يكون قد شاهد ما يقرب من مائة ألف مشهد عنيف في التلفزيون، ويكون ضمنها على
الأقل ثمانية آلاف جريمة قتل!
مجال اللغة والتعلم: فإن الأخبار هنا ليست بالجيدة أيضا
فلقد أظهر الكثير من الدراسات الآثار السلبية لارتفاع عدد ساعات مشاهدة التلفزيون
وعلاقتها السلبية بتأخر نمو مهارات التواصل بشكل عام حيث إن كل ساعة مشاهدة لبرامج
الأطفال المخصصة للفئة العمرية تحت 3 سنوات تقلل من كفاءة الطفل لاكتساب المهارات
والمفردات بمعدلات إحصائية واضحة على المستوى التعبيري وإن كان هناك تأثير إيجابي
على مستوى فهم اللغة لبعض البرامج وهو الذي يظهر بوضوح عند مشاهدة الأهل لهذه
البرامج مع أطفالهم ومن ثم مناقشتها والتعليق عليها.
تراجع ذاكرة الأطفال:
كما أظهرت بعض الدراسات أن مشاهدة
التلفزيون لساعات طويلة لأطفال ما قبل سن المدرسة تؤثر على قدرات هؤلاء الأطفال في
الاحتفاظ بالمعلومات والقدرة على الانتباه في سنوات الدراسة الثلاث الأولى. وتظهر تلك
المشكلة بأحد تفسيرين، هما:
الأول: أن الدائرة التواصلية
يجب فيها وجود شخصين على الأقل، أحدهما مرسل والآخر مستقبل. فحين يتكلم الأول يسمع
الثاني ثم يبدأ تبادل الأدوار، وعليه فإن الدائرة التواصلية تكتمل وتتغير بناء على
مشاركة كل طرف وهو ما يفتقد في مشاهدة التلفزيون حيث لا يوجد تفاعل بل عبارة عن
استقبال دائم من دون مشاركة.
الثاني: اللغة المستخدمة في
برامج وقنوات التلفزيون العربية لا تصلح للأطفال تحت الأربع سنوات أو الأطفال ذوي
الاحتياجات الخاصة حيث إنها تكون غالبا باللغة العربية الفصحى لضمان توسيع دائرة
المشاهدة وكما هو معروف لدى اختصاصيي علوم اللغة فإن اللغة العربية لها الكثير من
المستويات تتراوح من فصحى (القرآن الكريم) حتى عامية (غير المتعلمين) مع ضرورة
مراعاة المتغيرات اللهجية المختلفة والتي تظهر في وجود الكثير من المسميات لنفس
الشيء كوجود أكثر من مصطلح لهجي لكلمة سيارة أو قطة على سبيل المثال لا الحصر مما
يسبب الكثير من التشويش لهؤلاء الأطفال. مما يعني أن الطفل يتعرض للغة مختلفة عما
يستخدمه المجتمع من حوله فنجد أطفالا يستخدمون لغة غريبة مستقاة مما يشاهدون.
الأعمار الصغيرة
إن جهاز التلفزيون وأجهزة الكومبيوتر
العادية أو اللوحية هي حقيقية لا يمكن تجاهلها ولكن يجب أن نتعامل مع استخدامها من
قبل الصغار بشكل خاص بحذر شديد، معتمدين على العمر:
تحت عمر السنتين: أوصت الجمعية الأميركية
لطب الأطفال بعدم مشاهدة التلفزيون لمن هم تحت سن السنتين حيث إن المخ لم يصل بعد
للنمو الكافي الذي يمكنه من التعامل مع النمط السريع لحركة الصور أو اللغة المستخدمة
حيث إن الأطفال في هذا العمر يتعلمون اللغة من الآخرين وليس من مشاهدة البرامج
التلفزيونية أو الألعاب والتطبيقات لأجهزة الكومبيوتر اللوحي.
من عمر السنتين حتى الثلاث سنوات: أظهرت
الدراسات التي قامت بها إحدى الباحثات ضرورة تحديد زمن المشاهدة بنصف ساعة يوميا
فقط.
من عمر الثلاث سنوات حتى عمر الخمس
سنوات: يجب أن لا يتعدى زمن المشاهدة ساعة واحدة يوميا، مع ضرورة وجود الأهل
لمناقشة ما يشاهده الأطفال والتعليق عليه بلغة يستطيع الطفل فهمها والتعلم منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق