يعد
إنتاج جلد الإنسان على خط التجميع بمثابة ثورة في عالم الطب، إذ أنه سيفتح أبواب
الأمل أمام مرضى سرطان الجلد وضحايا الحروق، كما سيمهد الطريق أمام الاستغناء عن
إجراء التجارب على الحيوانات المختبرية.
الجلد هو
أكبر الأعضاء في جسم الإنسان وأكثرها تعقيدا، فحجمه قد يصل قدمين مربعين ويمكن أن
يشكل نحو 16 في المائة من وزن الجسم. ويوفر جلد الإنسان حماية ضد الأجسام والمواد
الغريبة وينظم درجة حرارة الجسم وتوازن الماء داخله. كما أنه يتيح للإنسان حاسة
اللمس وإدراك الأشياء والتواصل، وكل ذلك بمساعدة الألياف المرنة والأوعية الدموية
واللمفاوية والخلايا العصبية التي تمكنه من تحسس البرودة والحرارة، وكذلك عبر
خلايا المناعة والعرق والغدد الدهنية وغدد العرق والشعر والأنسجة الدهنية.
إن
المحاولات الرامية إلى إنتاج أنسجة اصطناعية قريبة إلى الجلد البشري في المختبر، لم
يحالفها حتى الآن إلا قدر ضئيل من النجاح. كما أن التجارب الخاصة بتصميم وإنتاج
الأنسجة الطبيعية من الخلايا الحية، عبر ما يسمى بـ "هندسة الأنسجة"
تستغرق الكثير من الوقت وتتطلب عملا مكثفا في المختبرات. وكما تقول البروفيسورة
هايكه فاليس من معهد فراونهوفر للهندسة والتكنولوجيا البينية، فإن ما سبب لها
الانزعاج لفترة طويلة هو "أننا لم نتقدم على النحو الصحيح لافتقارنا إلى
التكنولوجيا المناسبة، بحيث اضطررنا إلى إنجاز كل شيء يدويا، وهذا من شأنه أن يجعل
المنتجات في نهاية المطاف باهظة الثمن والنوعية ليست جيدة بما فيه الكفاية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن وقتا طويلا جدا يمر قبل الوصول إلى مرحلة التطبيق
والاستخدام في المجال الطبي".
ومن هنا نشأت فكرة تطوير نموذج لإنتاج الأنسجة بشكل صناعي، وعملت فاليس على مدى ثلاث سنوات مع فريق من العلماء والمهندسين لتنفيذ الفكرة، وقد تكللت تلك الجهود بالنجاح. ومنذ أبريل من عام 2011 ينتج "مصنع الأنسجة البشرية" قطع أنسجة تعادل جلد الإنسان يبلغ حجمها حجم طابع البريد، ويتم ذلك بطريقة آلية بالكامل في سابقة أولى من نوعها، وبسرعة وجودة عاليتين وبأسعار معقولة وثابتة. أما من حيث الكمية المنتجة فيمكن إنتاج 5 آلاف وحدة شهريا. وكما تقول فاليس فإن ذلك العمل "كان بالفعل عملا رائدا، وقد أثبتنا للمرة الأولى، توفر الإمكانية لتحقيق تلك الخطوة. وفي الوقت الراهن نعمل على إنتاج نماذج جلد مكونة من طبقتين، وإذا ما سار كل شيء حسب الخطة الموضوعة، فسيصبح من الممكن اعتبارا من عام 2012 إنتاج الجلد البشري بكامل سمكه، وهذا يعني الجلد وطبقات الأنسجة العليا والسفلى وكل ذلك بطريقة آلية." وفي العامين المقبلين سيتم تطوير التكنولوجيا بحيث يمكن إنتاج أنسجة أخرى كأنسجة الغضروف على سبيل المثال.
نقص في
الأعضاء
نشأت
هندسة الأنسجة في الأصل عبر المحاولات الهادفة لاستزراع الأنسجة والأعضاء البشرية
المختلفة من خلايا المرضى المحتاجين إلى زراعة عضو ما. وجاءت الأبحاث في هذا
المجال إلى ندرة الأعضاء البديلة، ويتم هنا الاعتماد على التكنولوجيات الرئيسية في
الطب التجديدي بالاستناد على تطبيق المعارف والأساليب المستخلصة من مختلف مجالات
العلوم كعلم الأحياء والكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية والطب والهندسة
والعلوم المادية.
إن إنتاج
الأنسجة من خلايا المريض نفسه يتم عبر عزل الخلايا وتركها لتتكاثر في المختبر.
ولدى تكاثرها بكميات كافية يتم استنباتها في محيط يحتوي على مادة وسيطة لتنمو
الخلايا عليها، وتذوب تلك المادة الوسيطة لتحل بروتيناتها الخاصة مكانها تدريجيا.
وتسمى النتيجة التي يتم التوصل إليها في المحصلة "النسيج الحيوي الذاتي
الصناعي" الذي يكون قابلا للزرع في جسم المريض بمجرد بلوغه مرحلة الكافي.
وهنا يتعلق الأمر بأنسجة مستمدة من خلايا المريض نفسه، لذا لا يرفضها الجسم وهي
تتمتع أيضا بقدرة خاصة تمكنها من النمو وتجديد نفسها.
محاكاة
جسم الإنسان
من أجل الحصول عبر هندسة الأنسجة على خلايا تتوافق في بنيتها وشكلها وخصائصها مع الخلايا الطبيعية، يجب في البداية التعرف على أنواع الخلايا التي تشكل الأنسجة الطبيعية وفهمها، كما يجب تكييف الظروف المناسبة للتكاثر في المختبر، بحيث تلائم الأنسجة في المكان الذي ستزرع فيه لاحقا. وبالإضافة إلى تنظيم درجة الحرارة والرطوبة، تتعرض الخلايا خلال مرحلة التكاثر إلى ظروف تتباين بحسب نوع الأنسجة، فأنسجة العظام على سبيل المثال، تتعرض لضغط ميكانيكي بنسب متفاوتة، أما أنسجة الأوعية الدموية فهي تغمر بسائل نابض يحاكي إيقاع القلب. ويتم إنتاج الجلد البشري عبر هذه العمليات المعقدة في معهد فراونهوفر، كليا بشكل آلي.
من أجل الحصول عبر هندسة الأنسجة على خلايا تتوافق في بنيتها وشكلها وخصائصها مع الخلايا الطبيعية، يجب في البداية التعرف على أنواع الخلايا التي تشكل الأنسجة الطبيعية وفهمها، كما يجب تكييف الظروف المناسبة للتكاثر في المختبر، بحيث تلائم الأنسجة في المكان الذي ستزرع فيه لاحقا. وبالإضافة إلى تنظيم درجة الحرارة والرطوبة، تتعرض الخلايا خلال مرحلة التكاثر إلى ظروف تتباين بحسب نوع الأنسجة، فأنسجة العظام على سبيل المثال، تتعرض لضغط ميكانيكي بنسب متفاوتة، أما أنسجة الأوعية الدموية فهي تغمر بسائل نابض يحاكي إيقاع القلب. ويتم إنتاج الجلد البشري عبر هذه العمليات المعقدة في معهد فراونهوفر، كليا بشكل آلي.
وإذا ما
ثبتت صحة هذه الوسيلة وتم تحقيق فكرة إنتاج الجلد البشري بشكله الكامل، فسيصبح من
الممكن أن تصبح "آلة إنتاج الجلد" بمثابة لاصق المستقبل للاصق الجلد
العادي، وستحل بالتالي مشاكل ترقيع الجلد ويمكن أيضا عبر ذلك مساعدة المرضى الذين
يعانون من حروق كبيرة فضلا عن مساعدة مرضى سرطان الجلد. وحتى يتحقق ذلك، سيستمر
استخدام قطع الجلد المنتجة حاليا في عمليات الزرع على نطاق صغير، خصوصا في مجال
الصناعات الدوائية ومستحضرات التجميل
الاستغناء
عن التجارب على الحيوانات
وبحسب
فاليس فإن "من المهم على المدى الطويل توفير الأنسجة المناسبة لإجراء التجارب
على سبيل المثال لاختبار الأدوية الجديدة أو مستحضرات التجميل الجديدة، الأمر الذي
سيلغي الحاجة إلى إجراء التجارب على الحيوانات، وهذا الأمر لا يعتبر على قدر كبير
من الأهمية لتوفيره الحماية للحيوانات، وإنما أيضا لأن "التجارب عبر استخدام
هذه النماذج، تعطي نتائج أكثر دقة. وإذا ما اتخذنا من نماذج الجلد البشري مثالا،
فالتجارب ستجرى على نموذج عن جلد الإنسان وليس على جلد الحيوان."
إلا أن
فاليس وضعت أهداف جديدة نصب عينيها، وهي استزراع الأورام الجلدية على نماذج الجلد
الاصطناعي، وذلك بهدف الحصول على معلومات أكبر حول نشوء سرطان الجلد وابتكار طرق
جديدة للعلاج. ولا يزال أمام فريق الباحثين في معهد IGB الكثير من العمل، على سبيل المثال في مجال
ابتكار نظم مركبة من الجلد والعظام والقولون والكبد والكلى، من أجل مراقبة انتشار
الأورام مثلا، أو أيضا مراقبة امتصاص وتوزيع العقاقير في الجسم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق